الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1- عن أم عطية قالت: (دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حين توفيت ابنته فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافورًا أو شيئًا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال: أشعرنها إياه يعني إزاره). رواه الجماعة. وفي رواية لهم: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) وفي لفظ: (اغسلنها وترًا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن) وفيه قالت: (فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها) متفق عليهما لكن ليس لمسلم فيه: (فألقيناها خلفها). قوله (حين توفيت ابنته) في رواية متفق عليها (ونحن نغسل ابنته) قال في الفتح: ويجمع بينهما بأن المراد أنه دخل حين شرع النسوة في الغسل وابنته المذكورة هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع كما في مسلم. وقال الداودي: إنها أم كلثوم زوج عثمان. ويدل عليه ما أخرجه ابن ماجه بإسناد على شرط الشيخين كما قال الحافظ ولفظه: (دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم) وكذا وقع لابن بشكوال في المبهمات عن أم عطية والدولابي في الذرية الطاهرة. قال في الفتح: فيمكن ترجيح أنها أم كلثوم بمجيئه من طرق متعددة ويمكن الجمع بأن تكون أم عطية حضرتهما جميعًا فقد جزم ابن عبد البر في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات انتهى. قوله: (اغسلنها) قال ابن بريدة: استدل به على وجوب غسل الميت قال ابن دقيق العيد: لكن قوله (ثلاثًا) الخ ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن قوله ثلاثًا غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلًا تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل أو الندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى. فمن جوز ذلك جوز الاستدلال بهذا الأمر على الوجوب ومن لم يجوزه حمل الأمر على الندب لهذه القرينة واستدل للوجوب بدليل آخر. وقد ذهب الكوفيون وأهل الظاهر والمزني إلى إيجاب الثلاث وروى ذلك عن الحسن وهو يرد ما حكاه في البحر من الإجماع على أن الواجب مرة فقط. قوله: (من ذلك) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث. قال في الفتح: ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله سبعًا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود وأما سواه فإما أو سبعًا وإما أو أكثر من ذلك انتهى. وهو ذهول منه عما أخرجه البخاري في باب يجعل الكافور فإنه روى حديث أم عطية هنالك بلفظ: (اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك) وقد صرح المصنف رحمه اللَّه تعالى بأن الجمع بين التعبير بسبع وأكثر متفق عليه كما وقع في حديث الباب لكن قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع. وصرح بأنها مكروهة أحمد والماوردي وابن المنذر. قوله: (إن رأيتن ذلك) فيه دليل على التفويض إلى اجتهاد الغاسل ويكون ذلك بحسب الحاجة لا التشهي كما قال في الفتح. قال ابن المنذر: إنما فوض الرأي إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار. قوله: (بماء وسدر) قال الزين ابن المنير: ظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل لأن قوله بماء وسدر يتعلق بقوله اغسلنها قال: وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير لأن الماء المضاف لا يتطهر به وتعقبه الحافظ بمنع لزوم مصير الماء مضافًا بذلك لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك. قوله: (واجعلن في الأخيرة كافورًا أو شيئًا من كافور) هو شك من الراوي قال في الفتح: والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه وقد جزم البخاري في رواية باللفظ الأول وظاهره أنه يجعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور. وقال النخعي والكوفيون: إنما يجعل الكافور في الحنوط والحكمة في الكافور كونه طيب الرائحة وذلك وقت تحضر فيه الملائكة وفيه أيضًا تبريد وقوة نفوذ وخاصة في تصلب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه وإذا عدم قام غيره مقامه مما فيه هذه الخواص أو بعضها. قوله: (فآذنني) أي أعلمنني. قوله: (فأعطانا حقوه) قال في الفتح: بفتح المهملة ويجوز كسرها وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة والمراد هنا الإزار كما وقع مفسرًا في آخر هذه الرواية. والحقو في الأصل معقد الإزار وأطلق على الإزار مجازًا. وفي رواية للبخاري: (فنزع عن حقوه إزاره) والحقو على هذا حقيقة. قوله: (فقال أشعرنها إياه) أي الففنها فيه لأن الشعار ما يلي الجسد من الثياب والمراد اجعلنه شعارًا لها. قال في الفتح: قيل الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العيد من جسده حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين. وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل وقد نقل ابن بطال الاتفاق على ذلك. قوله: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) ليس بين الأمرين تناف لإمكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معًا. قال الزين ابن المنير: قوله (ابدأن بميامنها) أي في الغسلات التي لا وضوء فيها ومواضع الوضوء منها أي في الغسلة المتصلة بالوضوء وفي هذا رد على من لم يقل باستحباب البداءة بالميامن وهم الحنفية واستدل به على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميت خلافًا للحنفية. قوله: (اغسلنها وترًا ثلاثًا) الخ استدل به على أن أقل الوتر ثلاث قال الحافظ: ولا دلالة فيه لأنه سيق مساق البيان للمراد إذ لو أطلق لتناول الواحدة فما فوقها. قوله: (فضفرنا شعرها ثلاثة قرون) هو بضاد وفاء خفيفة وفيه استحباب ضفر شعر المرأة وجعله ثلاثة قرون وهي ناصيتها وقرناها أي جانبا رأسها كما وقع في رواية وكيع عن سفيان عند البخاري تعليقًا ووصل ذلك الإسماعيلي وتسمية الناصية قرنا تغليب وقال الأوزاعي والحنفية: إنه يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقًا. قال القرطبي: وكأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيكون مرفوعًا أو هو شيء رأته ففعلته استحبابًا كلا الأمرين محتمل لكن الأصل أن لا يفعل في الميت شيء من جنس القرب إلا بإذن الشرع ولم يرد ذلك مرفوعًا كذا قال. وقال النووي: الظاهر عدم إطلاع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وتقريره له وتعقب ذلك الحافظ بأن سعيد بن منصور روى عن أم عطية أنها قالت: (قال لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: اغسلنها وترًا واجعلن شعرها ضفائر) وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أم عطية مرفوعًا بلفظ: (واجعلن لها ثلاث قرون). قوله: (فألقيناها خلفها) فيه استحباب جعل ضفائر المرأة خلفها وقد زعم ابن دقيق العيد أن الوارد في ذلك حديث غريب. قال في الفتح: وهو مما يتعجب منه مع كون الزيادة في صحيح البخاري وقد توبع رواتها عليها وقد استوفى تلك المتابعات وذكر للحديث فوائد غير ما تقدم. 2- وعن عائشة قالت: (لما أرادوا غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم اختلفوا فيه فقالوا: واللَّه ما ندري كيف نصنع أنجرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه قالت: فلما اختلفوا أرسل اللَّه عليهم السنة حتى واللَّه ما من القوم من رجل إلا ذقنه في صدره نائمًا قالت: ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو فقال: اغسلوا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وعليه ثيابه قالت: فثاروا إليه فغسلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو في قميصه يفاض عليه الماء والسدر ويدلك الرجال بالقميص). رواه أحمد وأبو داود. الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم. وفي رواية لابن حبان فكان الذي أجلسه في حجره علي بن أبي طالب وروى الحاكم عن عبد اللَّه بن الحارث قال: (غسل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم علي وعلى يده خرقة فغسله فأدخل يده تحت القميص فغسله والقميص عليه) وفي الباب عن بريدة عند ابن ماجه والحاكم والبيهقي قال: (لما أخذوا في غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ناداهم مناد من الداخل لا تنزعوا عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قميصه) وعن ابن عباس عند أحمد: (أن عليًا أسند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى صدره وعليه قميصه) وفي إسناده حسين بن عبد اللَّه وهو ضعيف. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي والشافعي قال: (غسل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثلاثًا بسدر وغسل وعليه قميص وغسل من بئر يقال لها الغرس بقبا كانت لسعد بن خيثمة وكان يشرب منها وولي سفلته على والفضل محتضنه والعباس يصيب الماء فجعل الفضل يقول أرحني قطعت وتيني أني لا أجد شيئًا يترطل علي) قال الحافظ: وهو مرسل جيد. قوله: (السنة) بسين مهملة مكسورة بعدها نون وهي ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمى النعاس. قال عدي بن الرقاع العاملي: وسنان أقصده النعاس فرنقت * في عينه سنة وليس بنائم
1- عن خباب بن الأرت: (أن مصعب بن عمير قتل يوم أُحد ولم يترك إلا نمرة فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدا رأسه فأمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رجليه شيئًا من الإذخر). رواه الجماعة إلا ابن ماجه. 2- وعن خباب أيضًا: (أن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر). رواه أحمد. الحديث الثاني أخرجه الحاكم عن أنس. قوله: (أن مصعب بن عمير قتل) في رواية للبخاري: (أن عبد الرحمن بن عوف قال: قتل مصعب بن عمير وكان خيرًا مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة وقتل حمزة أو رجل آخر فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة) قال في الفتح: قوله (أو رجل آخر) لم أقف على اسمه ولم يقع في أكثر الروايات إلا بلفظ حمزة ومصعب فقط. قوله: (إلا نمرة) هي شملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب كذا في القاموس. قوله: (فأمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن نغطي بها رأسه) فيه دليل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس وجعل النقص مما يلي الرجلين. قال النووي: فإن ضاق عن ذلك سترت العورة فإن فضل شيء جعل فوقها وإن ضاق عن العورة سترت السوأتان لأنهما أهم وهما الأصل في العورة قال: وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن (فإن قيل) لم يكونوا متمكنين من جميع البدن لقوله: (لم يوجد غيرها) فجوابه أن معناه لم يوجد مما يملكه الميت إلا نمرة ولو كان ستر جميع البدن واجبًا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه إن لم يكن له قريب يلزمه نفقته فإن كان وجبت عليه (فإن قيل) كانوا عاجزين عن ذلك لأن القضية جرت يوم أحد وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا بهم وبالخوف من العدو عن ذلك وجوابه أنه يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب ونحوها انتهى. وقد استدل بالحديثين على أن الكفن يكون من رأس المال لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر بالتكفين في النمرة ولا مال غيرها. قال ابن المنذر: قال بذلك جميع أهل العلم إلا رواية شاذة عن خلاص بن عمر وقال: الكفن من الثلث. وعن طاوس قال: من الثلث إن كان قليلًا. وحكى في البحر عن الزهري وطاوس أنه من الثلث إن كان معسرًا. وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث علي أن الكفن من جميع المال وإسناده ضعيف وأخرجه ابن أبي حاتم في العلل من حديث جابر وحكي عن أبيه أنه منكر وقد أخرجهما عبد الرزاق . قوله: (ونجعل على رجليه شيئًا من الإذخر) فيه أنه يستحب إذا لم يوجد ساتر البتة لبعض البدن أو لكله أن يغطى بالإذخر فإن لم يوجد فما تيسر من نبات الأرض وقد كان الإذخر مستعملًا لذلك عند العرب كما يدل عليه قول العباس إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا.
1- عن أبي قتادة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه). رواه ابن ماجه والترمذي. 2- وعن جابر: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم خطب يومًا فذكر رجلًا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلًا فزجر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يقبر الرجل ليلًا حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك وقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه). رواه أحمد ومسلم وأبو داود. حديث أبي قتادة حسنه الترمذي ورجال إسناده ثقات. وفي الباب عن أم سلمة عند الديلمي: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: أحسنوا الكفن ولا تؤذوا موتاكم بعويل ولا بتزكية ولا بتأخير وصية ولا بقطيعة وعجلوا بقضاء دينه واعدلوا عن جيران السوء وإذا حفرتم فأعمقوا ووسعوا). وعن جابر غير حديث الباب عند الديلمي أيضًا قال: (قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: أحسنوا كفن موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون بها في قبورهم). قوله: (فليحسن كفنه) ضبط بفتح الحاء وإسكانها. قال النووي: وكلاهما صحيح والمراد بإحسان الكفن نظافته ونقاؤه وكثافته وستره وتوسطه وكونه من جنس لباسه في الحياة لا أفخر منه ولا أحقر قال العلماء وليس المراد بإحسانه السرف فيه والمغالاة ونفاسته وإنما المراد ما تقدم. قوله: (غير طائل) أي حقير غير كامل. قوله: (حتى يصلى عليه) هو بفتح اللام كما قال النووي وإنما نهى عن القبر ليلًا حتى يصلى عليه لأن الدفن نهارًا يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد. وقيل لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يبين في الليل ويؤيده أول الحديث وآخره. قال القاضي: العلتان صحيحتان قال: والظاهر أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قصدهما معًا قال: وقد قيل غير هذا. قوله: (إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك) يدل على أنه لا بأس به في وقت الضرورة. وقد اختلف العلماء في الدفن بالليل فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة وقال جماعة العلماء من السلف والخلف لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق وجماعة من السلف دفنوا ليلًا من غير إنكار. وبحديث المرأة السوداء أو الرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلًا وسألهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عنه فقالوا: توفي فدفناه في الليل فقال: ألا آذنتموني قالوا: كانت ظلمة ولم ينكر عليهم أخرجه البخاري. وسيأتي في باب الدفن ليلًا وأجابوا عن حديث الباب بأن النهي كان لترك الصلاة لا لمجرد الدفن بالليل أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع وتأتي بقية الكلام إن شاء اللَّه في باب الدفن ليلًا. 3- وعن عائشة: (أن أبا بكر نظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيها قلت: إن هذا خلق قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت إنما هو للمهلة). مختصر من البخاري. قوله: (به ردع) بسكون المهملة بعدها عين مهملة أي لطخ لم يعمه كله. قوله: (وزيدوا عليه ثوبين) في رواية جديدين. قوله: (فكفنوني فيها) رواية أبي ذر فيهما. وفسر الحافظ ضمير المثنى بالمزيد والمزيد عليه وفي رواية غير أبي ذر فيها كما وقع عند المصنف. قوله: (خلق) بفتح المعجمة واللام أي غير جديد. وفي رواية عند ابن سعد ألا نجعلها جددًا كلها قال: لا. وظاهره أن أبا بكر كان يرى عدم المغالاة في الأكفان ويؤيده قوله إنما هو للمهلة. وروى أبو داود من حديث علي عليه السلام مرفوعًا: (لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعًا) ولا يعارضه حديث جابر في الأمر بتحسين الكفن كما تقدم فإنه يجمع بينهما بحمل التحسين على الصفة وحمل المغالاة على الثمن. وقيل التحسين حق للميت فإذا أوصى بتركه اتبع كما فعل الصديق ويحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك لكونه صار إليه من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أو لكونه قد كان جاهد فيه أو تعبد فيه. ويؤيده ما رواه ابن سعد من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: قال أبو بكر: كفنوني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهما. قوله: (إنما هو أي الكفن للمهلة) قال القاضي عياض: روي بضم الميم وفتحها وكسرها وبذلك جزم الخليل. وقال ابن حبيب: هو بالكسر الصديد وبالفتح التمهل وبالضم عكر الزيت والمراد هنا الصديد ويحتمل أن يكون المراد بقوله وإنما هو أي الجديد وأن يكون المراد المهلة على هذا التمهل أي الجديد لمن يريد البقاء. قال الحافظ: والأول أظهر. وفي هذا الأثر استحباب التكفين في ثلاثة أكفان وجواز التكفين في الثياب المغسولة وإيثار الحي بالجديد. ويدل على استحباب أن يكون الكفن جديدًا ما أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد: (أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي مات فيها) رواه ابن حبان بدون القصة وقال: أراد بذلك إعماله لقوله تعالى {وثيابك فطهر} يريد وعملك فأصلحه قال: والأخبار الصحيحة صريحة أن الناس يحشرون حفاة عراة وحكى الخطابي في الجمع بينهما أنه يبعث في ثيابه ثم يحشر عريانًا.
1-عن ابن عباس: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كفن في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة نجرانية الحلة ثوبان). رواه أحمد وأبو داود. 2- وعن عائشة قالت: (كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجًا). رواه الجماعة. ولهم إلا أحمد والبخاري ولفظه لمسلم: (وأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها إنما اشتريت ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية) ولمسلم: (قالت: أدرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في حلة يمنية كانت لعبد اللَّه ابن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص). حديث ابن عباس في إسناده يزيد ابن أبي زياد وقد تغير وهذا من أضعف حديثه. وقال النووي: إنه مجمع على ضعف يزيد المذكور وقد بين مسلم أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يكفن في الحلة وإنما شبه على الناس كما ذكر المصنف. ـ وفي الباب ـ عن جابر بن سمرة عند البزار وابن عدي في الكامل أنه كفن صلى اللَّه عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب قميص وإزار ولفافة. وفي إسناده ناصح وهو ضعيف. وعن ابن عباس غير حديث الباب عند ابن عدي قال: كفن صلى اللَّه عليه وآله وسلم في قطيفة حمراء. وفي إسناده قيس بن الربيع وهو ضعيف قال الحافظ: وكأنه اشتبه عليه بحديث جعل في قبره قطيفة حمراء فإنه يروى بالإسناد المذكور بعينه. وعن علي عند ابن أبي شيبة وأحمد والبزار قال: كفن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في سبعة أثواب. وفي إسناده عبد اللَّه بن محمد بن عقيل وهو سيء الحفظ لا يصلح الاحتجاج بحديثه إذا خالف الثقات كما هنا وقد خالف ههنا رواية نفسه فإنه روي عن جابر أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كفن في ثوب نمرة. قال الحافظ: وروى الحاكم من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر ما يعضد رواية ابن عقيل عن ابن الحنفية عن علي بمعنى أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كفن في سبعة. وعن جابر عند أبي داود أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كفن في ثوبين وبرد حبرة وفي رواية للنسائي فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه. وأخرج مسلم والترمذي عنها أنها قالت: إنهم نزعوها عنه. وروى عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لف في برد حبرة جفف فيه ثم نزع عنه. قال الترمذي: تكفينه في ثلاثة أثواب أصح ما ورد في كفنه. قوله: (قميصه الذي مات فيه) دليل لمن قال باستحباب القميص في الكفن وهم الحنفية ومالك وزيد بن علي والمؤيد باللَّه وذهب الجمهور إلى أنه غير مستحب واستدلوا بقول عائشة ليس فيها قميص ولا عمامة وأجابوا عن حديث ابن عباس بأنه ضعيف الإسناد كما تقدم وأجاب القائلون بالاستحباب أن قول عائشة ليس فيها قميص ولا عمامة يحتمل نفي وجودهما ويحتمل أن يكون المراد نفي المعدود أي الثلاثة خارجة عن القميص والعمامة وهما زائدان وأن يكون معناه ليس فيها قميص جديد أو ليس فيها القميص الذي غسل فيه أو ليس فيها قميص مكفوف الأطراف ويجاب بأن الاحتمال الأول هو الظاهر وما عداه متعسف فلا يصار إليه. قوله: (جدد) هكذا وقع عند المصنف وكذلك رواه البيهقي وليس في الصحيحين لفظ جدد. ووقع في رواية لهما بدل جدد من كرسف وهو القطن. قوله: (بيض) فيه دليل على استحباب التكفين في الأبيض قال النووي: وهو مجمع عليه. قوله: (سحولية) بضم المهملتين ويروى بفتح أوله نسبة إلى سحول قرية باليمن قال النووي: والفتح أشهر وهو رواية الأكثرين. قال ابن الأعرابي وغيره: هي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن وقال ابن قتيبة: ثياب بيض ولم يخصها بالقطن وفي رواية للبخاري سحول بدون نسبة وهو جمع سحل والسحل الثوب الأبيض النقي ولا يكون إلا من قطن كما تقدم. وقال الأزهري: بالفتح المدينة وبالضم الثياب وقيل النسبة إلى القرية بالضم وأما بالفتح فنسبة إلى القصار لأنه يسحل الثياب أي ينقيها كذا في الفتح. قوله: (يمانية) بتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما لغة في تشديدها. ووجه الأول أن الألف بدل من ياء النسبة فلا يجتمعان فيقال يمنية بالتشديد أو يمانية بالتخفيف وكلاهما نسبة إلى اليمن. قوله: (فإنما شبه على الناس) بضم الشين المعجمة وكسر الباء المشددة ومعناه اشتبه عليهم واعلم أنه قد اختلف في أفضل الكفن بعد الاتفاق على أنه لا يجب أكثر من ثوب واحد يستر جميع البدن فذهب الجمهور إلى أن أفضلها ثلاثة أثواب بيض واستدلوا بحديث عائشة المذكور. قال في الفتح: وتقرير الاستدلال به أن اللَّه عز وجل لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل وعن الحنفية أن المستحب أن يكون في أحدها ثوب حبرة وتمسكوا بحديث جابر المتقدم وإسناده كما قال الحافظ حسن ولكنه معارض بالمتفق عليه من حديث عائشة على أنا قد قدمنا عن عائشة أنهم نزعوا عنه ثوب الحبرة وبذلك يجمع بين الروايات. وقال الهادي: إن المشروع إلى سبعة ثياب واستدل بحديث علي المتقدم وأجيب عنه بأنه لا ينتهض لمعارضة حديث عائشة الثابت في الصحيحين وغيرهما. وقد قال الحاكم: إنها تواترت الأخبار عن علي وابن عباس وابن عمر وعبد اللَّه بن مغفل وعائشة في تكفين النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولكنه لا يخفى أن إثبات ثلاثة ثياب لا ينفي الزيادة عليها وقد تقرر أن ناقل الزيادة أولى بالقبول على أنه لو تعرض رواة الثلاثة لنفي ما زاد عليها لكان المثبت أولى من النافي نعم حديث علي فيه المقال المتقدم فإن صلح الاحتجاج معه فالمصير إلى الجمع بما ذكرنا متعين وإن لم يصلح فلا فائدة في الاشتغال به لا سيما وقد اقتصر على رواية الثلاثة جماعة من الصحابة ويبعد أن يخفى على جميعهم الزيادة عليها وقد قال الإمام يحيى: إن السبعة غير مستحبة إجماعًا. 3- وعن ابن عباس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم). رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي. الحديث أخرجه أيضًا الشافعي وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان. وأخرجه أيضًا الترمذي وصححه وابن ماجه والنسائي والحاكم من حديث سمرة واختلف في وصله وإرساله وقد تقدم في اللباس. ـ وفي الباب ـ عن عمران بن حصين عند الطبراني. وعن أنس عند أبي حاتم في العلل والبزار في مسنده. وعن ابن عمر عند ابن عدي في الكامل. وعن أبي الدرداء عند ابن ماجه يرفعه: (أحسن ما زرتم اللَّه به في قبوركم ومساجدكم البياض). والحديث يدل على مشروعية لبس البياض وقد تقدم الكلام على ذلك في أبواب اللباس وعلى مشروعية تكفين الموتى في الثياب البيض وهو إجماع كما تقدم في شرح الحديث الذي قبله وقد تقدم أيضًا عن الحنفية أنهم يستحبون أن يكون في الأكفان ثوب حبرة واستدلوا بما سلف. ومن أدلتهم حديث جابر عند أبي داود بإسناد حسن كما قال الحافظ بلفظ: (إذا توفي أحدكم فوجد شيئًا فليكفن في ثوب حبرة) والأمر باللبس والتكفين في الثياب البيض محمول على الندب لما قدمنا في أبواب اللباس. 4- وعن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: (كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند وفاتها وكان أول ما أعطانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أُدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر قالت: ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند الباب معه كفنها يناولنا ثوبًا ثوبًا). رواه أحمد وأبو داود. قال البخاري: قال الحسن: الخرقة الخامسة يشد بها الفخذان والوركان تحت الدرع. الحديث في إسناده ابن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث وفي إسناده أيضًا نوح بن حكيم. قال ابن القطان: مجهول. ووثقه ابن حبان وقال: ابن إسحاق كان قارئًا للقرآن وفي إسناده أيضًا داود رجل من بني عروة بن مسعود فإن كان داود بن عاصم بن عروة بن مسعود فهو ثقة وقد جزم بذلك ابن حبان وإن كان غيره فينظر فيه. قوله: (ليلى بنت قانف) بالقاف بعد الألف نون ثم فاء. قوله: (الحقا) بكسر المهملة وتخفيف القاف مقصور قيل هو لغة في الحقو وهو الإزار. والحديث يدل على أن المشروع في كفن المرأة أن يكون إزارًا ودرعًا وخمارًا وملحفة ودرجًا ولم يقع تسمية أم عطية في هذا الحديث فيمن حضر. وقد وقع عند ابن ماجه أن أم عطية قالت: (دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ونحن نغسل ابنته أم كلثوم) الحديث. ورواه مسلم فقال زينب ورواته أتقن وأثبت وقد تقدم الكلام على هذا الاختلاف في باب صفة الغسل. قوله: (قال البخاري قال الحسن) الخ وصله ابن أبي شيبة قال في الفتح: وهذا يدل على أن أول الكلام أن المرأة تكفن في خمسة أثواب. وروى الخوارزمي من طريق إبراهيم بن حبيب ابن الشهيد عن هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية أنها قالت: (وكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما نخمر الحي) قال الحافظ: وهذه الزيادة صحيحة الإسناد وقول الحسن إن الخرقة الخامسة يشد بها الفخذان والوركان قال به زفر. وقالت طائفة: تشد على صدرها ليضم أكفانها ولا يكره القميص للمرأة على الراجح عند الشافعية والحنابلة.
1- عن ابن عباس قال: (أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم أُحد بالشهداء أن ننزع عنهم الحديد والجلود وقال: ادفنوهم بدمائهم وثيابهم). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. 2- وعن عبد اللَّه بن ثعلبة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال يوم أُحد: زملوهم في ثيابهم وجعل يدفن في القبر الرهط ويقول: قدموا أكثرهم قرآنًا). رواه أحمد. الحديث الأول في إسناده عطاء بن السائب وهو مما حدث به بعد الاختلاط وحديث عبد اللَّه بن ثعلبة أخرجه أيضًا أبو داود بإسناد رجاله رجال الصحيح. وفي الباب أحاديث قد تقدم ذكرها في باب ترك غسل الشهيد. والحديثان المذكوران في الباب وما في معناهما فيها مشروعية دفن الشهيد بما قتل فيه من الثياب ونزع الحديد والجلود عنه وكل ما هو آلة حرب. وقد روى زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي أنه قال ينزع من الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلا أن يكون أصاب السراويل دم وفي إسناده أبو خالد الواسطي والكلام فيه معروف. وقد روى ذلك أحمد بن عيسى في أماليه من طريق الحسين بن علوان عن أبي خالد المذكور عن زيد بن علي والحسين بن علوان متكلم فيه أيضًا والظاهر أن الأمر بدفن الشهيد بما قتل فيه من الثياب للوجوب. قوله: (وجعل يدفن في القبر) الخ قد تقدم الكلام على هذا في باب ترك غسل الشهيد.
1- عن جابر قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثًا). رواه أحمد. 2- وعن ابن عباس قال: (بينما رجل واقف مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته فذكر ذلك للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإن اللَّه تعالى يبعثه يوم القيامة ملبيًا). رواه الجماعة. وللنسائي عن ابن عباس قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما واغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة محرمًا). حديث جابر أخرجه أيضًا البيهقي والبزار قيل ورجاله رجال الصحيح وأخرج نحوه أحمد بن حنبل أيضًا عن جابر مرفوعًا بلفظ: (إذا أجمرتم الميت فأوتروا). قوله: (إذا أجمرتم الميت) أي بخرتموه وفيه استحباب تبخير الميت ثلاثًا. قوله: (بينما رجل) قال في الفتح: لم أقف في شيء من الطرق على تسمية المحرم المذكور ووهم بعض المتأخرين فزعم أن اسمه واقد بن عبد اللَّه وعزاه إلى ابن قتيبة في ترجمة عمر من كتاب المغازي وسبب الوهم أن ابن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر ذكر أولاده ومنهم عبد اللَّه بن عمر ثم ذكر أولاد عبد اللَّه فذكر فيهم واقد بن عبد اللَّه بن عمر فقال: وقع عن بعيره وهو محرم فهلك فظن هذا المتأخر أن لواقد بن عبد اللَّه صحبة وأنه صاحب القصة التي وقعت في زمن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وليس كما ظن فإن واقد المذكور لا صحبة له فإن أمه صفية بنت أبي عبيد وإنما تزوجها أبوه في خلافة عمر وفي الصحابة أيضًا واقد بن عبد اللَّه آخر ولكنه مات في خلافة عمر كما ذكر ابن سعد. قوله: (فوقصته) بفتح الواو بعدها قاف ثم صاد مهملة. وفي رواية للبخاري فأقصعته. وفي أخرى له أيضًا أقصعته وفي أخرى له أيضًا أوقصته والوقص الكسر كما في القاموس والقصع الهشم وقيل هو خاص بكسر العظم. قال الحافظ: ولو سلم فلا مانع أن يستعار لكسر الرقبة والقعص القتل في الحال ومنه قعاص الغنم وهو موتها كذا في الفتح. قوله: (اغسلوه بماء وسدر) فيه دليل على وجوب الغسل بالماء والسدر وقد تقدم الكلام على ذلك. قوله: (وكفنوه في ثوبيه) فيه أنه يكفن المحرم في ثيابه التي مات فيها وقيل إنما اقتصر على تكفينه في ثوبيه لكونه مات فيهما وهو متلبس بتلك العبادة الفاضلة ويحتمل أنه لم يجد غيرهما. قوله: (ولا تحنطوه) هو من الحنوط بالمهملة وهو الطيب الذي يوضع للميت. قوله: (ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه وفيه دليل على بقاء حكم الإحرام وكذلك قوله (ولا تحنطوه) وأصرح من ذلك التعليل بقوله (فإن اللَّه يوم القيامة يبعثه ملبيًا) وقوله في الرواية الأخرى (فإنه يبعث يوم القيامة محرمًا) وخالف في ذلك المالكية والحنفية وقالوا إن قصة هذا الرجل واقعة عين لا عموم لها فتختص به وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة هي كونه في النسك وهي عامة في كل محرم والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثبت لغيره حتى يثبت التخصيص. وما أحسن ما اعتذر به الداودي عن مالك فقال: إنه لم يبلغه الحديث. قوله: (ولا تمسوه) بضم أوله وكسر الميم من أمس. قال ابن المنذر: وفي الحديث إباحة غسل المحرم الحي بالسدر خلافًا لمن كرهه وأن الوتر في الكفن ليس بشرط وأن الكفن من رأس المال لأمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم بتكفينه في ثوبيه ولم يستفصل هل عليه دين مستغرق أم لا وفيه استحباب تكفين المحرم في إحرامه وأن إحرامه باق وأنه لا يكفن في المحنط كما تقدم وأنه يجوز التكفين في الثياب الملبوسة وأن الإحرام يتعلق بالرأس.
الصلاة على الأنبياء 1- عن ابن عباس قال: (دخل الناس على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أرسالًا يصلون عليه حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء حتى إذا فرغوا أدخلوا الصبيان ولم يؤم الناس على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أحد). رواه ابن ماجه. الحديث أخرجه أيضًا البيهقي قال الحافظ: وإسناده ضعيف لأنه من حديث حسين بن عبد اللَّه بن ضميرة. ـ وفي الباب ـ عن أبي عسيب عند أحمد: (أنه شهد الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال كيف نصلي عليك قال: ادخلوا أرسالًا) كذا في التلخيص. وعن جابر وابن عباس أيضًا عند الطبراني وفي إسناده عبد المنعم بن إدريس وهو كذاب وقد قال البزار: إنه موضوع. وعن ابن مسعود عند الحاكم بسند واه. وعن نبيط بن شريط عند البيهقي وذكره مالك بلاغًا. ـ وفي الحديث ـ أن الصلاة كانت عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فرادى الرجال ثم النساء ثم الصبيان. قال ابن عبد البر: وصلاة الناس عليه أفرادًا مجمع عليه عند أهل السير وجماعة أهل النقل لا يختلفون فيه. وتعقبه ابن دحية بأن ابن القصار حكى الخلاف فيه هل صلوا عليه الصلاة المعهودة أو دعوا فقط وهل صلوا فرادى أو جماعة واختلفوا فيمن أمَّ بهم فقيل أبو بكر روي بإسناد قال الحافظ لا يصح وفيه حرام وهو ضعيف جدًا. قال ابن دحية: هو باطل بيقين لضعف رواته وانقطاعه. قال: والصحيح أن المسلمين صلوا عليه أفرادًا لا يؤمهم أحد وبه جزم الشافعي. قال: وذلك لعظم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بأبي هو وأمي وتنافسهم في أن لا يتولى الإمامة عليه في الصلاة واحد. قال ابن دحية: كان المصلون عليه ثلاثين ألفًا. قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد أن ساق الحديث: وتمسك به من قدم النساء على الصبيان في الصلاة على جنائزهم وحال دفنهم في القبر الواحد اهـ.
1- عن أنس: (أن شهداء أُحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم). رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وقد أسلفنا هذا المعنى من رواية جابر وقد رويت الصلاة عليهم بأسانيد لا تثبت. أما حديث أنس فأخرجه أيضًا الحاكم. وقال الترمذي: إنه حديث غريب لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه. وأخرجه أبو داود في المراسيل والحاكم من حديثه قال: مر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على حمزة وقد مثل به ولم يصل على أحد من الشهداء غيره وأعله البخاري والترمذي والدارقطني بأنه غلط فيه أسامة بن زيد فرواه عن الزهري عن أنس ورجحوا رواية الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر. وأما حديث جابر فقد تقدم في باب ترك غسل الشهيد وأما الأحاديث الواردة في الصلاة على شهداء أحد التي أشار إليها المصنف وقال: إنها بأسانيد لا تثبت فستعرف الكلام عليها وفي الصلاة على الشهيد أحاديث. منها ما أخرجه الحاكم من حديث جابر قال: (فقصد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حمزة حين جاء الناس من القتال فقال رجل: رأيته عند تلك الشجيرات فلما رآه ورأى ما مثل به شهق وبكى فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب ثم جيء بحمزة فصلى عليه) الحديث. وفي إسناده أبو حماد الحنفي وهو متروك. وعن شداد بن الهاد عند النسائي بلفظ: (أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فآمن به واتبعه) وفي الحديث: (أنه استشهد فصلى عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فحفظ من دعائه صلى اللَّه عليه وآله وسلم له اللَّهم إن هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك فقتل في سبيلك) وحمل البيهقي هذا على أنه لم يمت في المعركة. وعن أنس عند أبي داود في المراسيل والحاكم وقد تقدم لفظه. وعن عقبة بن عامر في البخاري وغيره: (أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على قتلى أُحد بعد ثمان سنين صلاته على ميت كالمودع للأحياء والأموات) وفي رواية لابن حبان ثم دخل بيته ولم يخرج حتى قبضه اللَّه. وعن ابن عباس عند ابن إسحاق قال: (أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بحمزة فسجى ببرده ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فيصلي عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة) وفي إسناده رجل مبهم لأن ابن إسحاق قال حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس. قال السهيلي: إن كان الذي أبهمه ابن إسحاق هو الحسن بن عمارة فهو ضعيف وإلا فهو مجهول لا حجة فيه. قال الحافظ: الحامل للسهيلي على ذلك ما وقع في مقدمة مسلم عن شعبة أن الحسن بن عمارة حدثه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على قتلى أُحد فسألت الحكم فقال لم يصل عليهم اهـ. لكن حديث ابن عباس روى من طرق أخرى منها ما أخرجه الحاكم وابن ماجه والطبراني والبيهقي من طريق يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس مثله وأتم منه ويزيد فيه ضعف يسير. ـ وفي الباب ـ أيضًا عن أبي مالك الغفاري عند أبي داود في المراسيل من طريقه وهو تابعي اسمه غزوان ولفظه: (أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على قتلى أُحد عشرة عشرة في كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة). قال الحافظ: ورجاله ثقات وقد أعله الشافعي بأنه متدافع لأن الشهداء كانوا سبعين فإذا أتى بهم عشرة عشرة يكون قد صلى سبع صلوات فكيف تكون سبعين قال: وإن أراد التكبير فيكون ثمانية وعشرين تكبيرة وأجيب بأن المراد صلى على سبعين نفسًا وحمزة معهم كلهم فكأنه صلى عليه سبعين صلاة. وعن ابن مسعود عند أحمد بلفظ: (رفع الأنصاري وترك حمزة فصلى عليه ثم جيء برجل من الأنصار ووضعوه إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة). ـ وفي الباب ـ أيضًا حديث أبي سلام عن رجل من الصحابة عند أبي داود وقد تقدم في باب ترك غسل الشهيد. هذا جملة ما وقفنا عليه في هذا الباب من الأحاديث المتعارضة وقد اختلف أهل العلم في ذلك قاله الترمذي قال بعضهم: يصلى على الشهيد وهو قول الكوفيين وإسحاق وقال بعضهم: لا يصلى عليه وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد اهـ وبالأول قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والمزني والحسن البصري وابن المسيب وإليه ذهب العترة واستدلوا بالأحاديث التي ذكرناها وأجاب عنها القائلون بأنه لا يصلى على الشهيد فقالوا أما حديث جابر ففيه متروك كما تقدم وأما حديث شداد بن الهاد فهو مرسل لأن شدادًا تابعي وقد أجيب عنه بما تقدم عن البيهقي وبأن المراد بالصلاة الدعاء وأما حديث أنس فقد تقدم أن البخاري والترمذي والدارقطني قالوا بأنه غلط فيه أسامة وقد قال البيهقي عن الدارقطني أن قوله فيه ولم يصل على أحد من الشهداء غيره ليست بمحفوطة على أنه يقال الحديث حجة عليهم لا لهم لأنها لو كانت واجبة لما خص بها واحدًا من سبعين. وأما حديث عقبة فلنبدأ بتقرير الاستدلال به ثم نذكر جوابه وتقريره ما قاله الطحاوي أن معنى صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم عليهم لا يخلو من ثلاثة معان إما أن يكون ناسخًا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم أو يكون من سنتهم أن لا يصلى عليهم إلا بعد هذه المدة أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء ثم الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قيل الدفن أولى اهـ وأجيب بأن صلاته عليهم تحتمل أمورًا أخر منها أن تكون من خصائصه ومنها أن تكون بمعنى الدعاء ثم هي واقعة عين لا عموم لها فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد ثبت. وأيضًا لم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره الطحاوي. كذا قال الحافظ وأنت خبير بأن دعوى الاختصاص خلاف الأصل ودعوى أن الصلاة بمعنى الدعاء يردها قوله في الحديث صلاته على الميت وأيضًا قد تقرر في الأصول أن الحقائق الشرعية مقدمة على اللغوية فلو فرض عدم ورود هذه الزيادة لكان المتعين المصير إلى حمل الصلاة على حقيقتها الشرعية وهي ذات الأذكار والأركان ودعوى أنها واقعة عين لا عموم لها يردها أن الأصل فيما ثبت لواحد أو لجماعة في عصره صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثبوته للغير على أنه يمكن معارضة هذه الدعوى بمثلها فيقال ترك الصلاة على الشهداء في يوم أحد واقعة عين لا عموم لها فلا تصلح للاستدلال بها على مطلق الترك بعد ثبوت مطلق الصلاة على الميت ووقوع الصلاة منه على خصوص الشهيد في غيرها كما في حديث شداد بن الهاد وأبي سلام. وأما حديث ابن عباس وما ورد في معناه من الصلاة على قتلى أُحد قبل دفنهم فأجاب عن ذلك الشافعي بأن الأخبار جاءت كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يصل على قتلى أُحد قال: وما روي أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث أن يستحي على نفسه اهـ. وأجيب أيضًا بأن تلك الحالة الضيقة لا تتسع لسبعين صلاة وبأنها مضطربة وبأن الأصل عدم الصلاة ولا يخفى عليك أنها رويت من طريق يشد بعضها بعضًا وضيق تلك الحالة لا يمنع من إيقاع الصلاة فإنها لو ضاقت عن الصلاة لكان ضيقها عن الدفن أولى ودعوى الاضطراب غير قادحة لأن جميع الطرق قد أثبتت الصلاة وهي محل النزاع ودعوى أن الأصل عدم الصلاة مسلمة قبل ورود الشرع وأما بعد وروده فالأصل الصلاة على مطلق الميت والتخصيص ممنوع وأيضًا أحاديث الصلاة قد شد من عضدها كونها مثبتة والإثبات مقدم على النفي وهذا مرجح معتبر والقدح في اعتباره في المقام يبعد غفلة الصحابة عن إيقاع الصلاة على أولئك الشهداء معارض بمثله وهو بعد غفلة الصحابة عن الترك الواقع على خلاف ما كان ثابتًا عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الصلاة على الأموات فكيف يرجح ناقله وهو أقل عددًا من نقلة الإثبات الذي هو مظنة الغفول عنه لكونه واقعًا على مقتضى عادته صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الصلاة على مطلق الميت ومن مرجحات الإثبات الخاصة بهذا المقام أنه لم يرو النفي إلا أنس وجابر وأنس عند تلك الواقعة من صغار الصبيان وجابر قد روى أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على حمزة وكذلك أنس كما تقدم فقد وافقا غيرهما في وقوع مطلق الصلاة على الشهيد في تلك الواقعة ويبعد كل البعد أن يخص النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بصلاته حمزة لمزية القرابة ويدع بقية الشهداء ومع هذا فلو سلمنا أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يصل عليهم حال الواقعة وتركنا جميع هذه المرجحات لكانت صلاته عليهم بعد ذلك مفيدة للمطلوب لأنها كالاستدراك لما فات مع اشتمالها على فائدة أخرى وهي أن الصلاة على الشهيد لا ينبغي أن تترك بحال وإن طالت المدة وتراخت إلى غاية بعيدة. وأما حديث أبي سلام فلم أقف للمانعين من الصلاة على جواب عليه وهو من أدلة المثبتين لأنه قتل في المعركة بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وسماه شهيدًا وصلى عليه نعم لو كان النفي عامًا غير مقيد بوقعة أحد ولم يرد في الإثبات غير هذا الحديث لكان مختصًا بمن قتل على مثل صفته. واعلم أنه قد اختلف في الشهيد الذي وقع الخلاف في غسله والصلاة عليه هل هو مختص بمن قتل في المعركة أو أعم من ذلك فعند الشافعي أن المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار وخرج بقوله في المعركة من جرح في المعركة وعاش بعد ذلك حياة مستقرة وخرج بحرب الكفار من مات في قتال المسلمين كأهل البغي وخرج بجميع ذلك من يسمى شهيدًا بسبب غير السبب المذكور ولا خلاف أن من جمع هذه القيود شهيد وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن من جرح في المعركة إن من مات قبل الإرتثاث فشهيد والإرتثاث أن يحمل ويأكل أو يشرب أو يوصي أو يبقى في المعركة يومًا وليلة حيًا وذهبت الهادوية إلى أن من جرح في المعركة يقال له شهيد وإن مات بعد الإرتثاث وأما من قتل مدافعًا عن نفس أو مال أو في المعركة ظلمًا فقال أبو حنيفة وأبو يوسف والهادوية إنه شهيد. وقال الإمام يحيى والشافعي: إنه وإن قيل له شهيد فليس من الشهداء الذين لا يغسلون. وذهبت العترة والحنفية والشافعي في قول له إن قتيل البغاة شهيد قالوا إذ لم يغسل على أصحابه وهو توقيف. [فائدة] لم يرد في شيء من الأحاديث أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على شهداء بدر ولا أنه لم يصل عليهم. وكذلك في شهداء سائر المشاهد النبوية إلا ما ذكرنا في هذا البحث فليعلم ذلك. الصلاة على السقط والطفل 1- عن المغيرة بن شعبة: (عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها قريبًا منها عن يمينها أو عن يسارها والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة). رواه أحمد وأبو داود وقال فيه: (والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها ويسارها قريبًا منها) وفي رواية: (الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها والطفل يصلى عليه) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه. الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان وصححه والحاكم وقال على شرط البخاري بلفظ: (السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالعافية والرحمة) وأخرجه بهذا اللفظ الترمذي وصححه ولكن رواه الطبراني موقوفًا على المغيرة ورجح الدارقطني في العلل الموقوف. ـ وفي الباب ـ عن علي عند ابن عدي وفي إسناده عمرو بن خالد وهو متروك. وعن ابن عباس عنده أيضًا من رواية شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عنه وقواه ابن طاهر في الذخيرة وقد ذكره البخاري من قول الزهري تعليقًا ووصله ابن أبي شيبة. وعن أبي هريرة عند ابن ماجه يرفعه بلفظ: (صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم) وإسناده ضعيف. قوله: (الراكب خلف الجنازة) أي يمشي وسيأتي الكلام على المشي مع الجنازة. قوله: (والسقط يصلى عليه) فيه دليل على مشروعية الصلاة على السقط وإليه ذهبت العترة والفقهاء ولكنها إنما تشرع الصلاة عليه إذا كان قد استهل والاستهلال الصياح أو العطاس أو حركة يعلم بها حياة الطفل. وقد أخرج البزار عن ابن عمر مرفوعًا: (استهلال الصبي العطاس) قال الحافظ: وإسناده ضعيف. ويدل على اعتبار الاستهلال حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ: (إذا استهل السقط صلى عليه وورث) وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي عن أبي الزبير عنه وهو ضعيف. قال الترمذي: رواه أشعث بن سوار وغير واحد عن أبي الزبير عن جابر. ورواه النسائي أيضًا وابن حبان في صحيحه والحاكم من طريق إسحاق الأزرق عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر وصححه الحاكم على شرط الشيخين. قال الحافظ: ووهم لأن أبا الزبير ليس من شرط البخاري وقد عنعن فهو علة هذا الخبر إن كان محفوظًا عن سفيان قال: ورواه الحاكم أيضًا من طريق المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير مرفوعًا وقال: لا أعلم أحدًا رفعه عن أبي الزبير غير المغيرة وقد وقفه ابن جريج وغيره وروي أيضًا من طريق بقية عن الأوزاعي عن أبي الزبير مرفوعًا. وقال الشافعي: إنما يغسل لأربعة أشهر إذ يكتب في الأربعين الرابعة رزقه وأجله وإنما ذلك للحي. وقد رجح المصنف رحمه اللَّه تعالى هذا واستدل له فقال: قلت وإنما يصلى عليه إذا نفخت فيه الروح وهو أن يستكمل أربعة أشهر فأما إن سقط لدونها فلا لأنه ليس بميت إذ لم ينفخ فيه روح. وأصل ذلك حديث ابن مسعود قال: (حدثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث اللَّه إليه ملكًا بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح) متفق عليه اهـ. ومحل الخلاف فيمن سقط بعد أربعة أشهر ولم يستهل. وظاهر حديث الاستهلال أنه لا يصلى عليه وهو الحق لأن الاستهلال يدل على وجود الحياة قبل خروج السقط كما يدل على وجودها بعده فاعتبار الاستهلال من الشارع دليل على أن الحياة بعد الخروج من البطن معتبرة في مشروعية الصلاة على الطفل وأنه لا يكتفي بمجرد العلم بحياته في البطن فقط.
|